إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره.
شفاء العليل شرح منار السبيل
223346 مشاهدة
الأعيان الطاهرة

قوله: [وما دونهما في الخلقة: كالحية، والفأر، والمسكر غير المائع، فطاهر]
وسؤر الهرة وما دونه في الخلقة طاهر في قول أكثر أهل العلم من الصحابة، والتابعين، ومن بعدهم، لحديث أبي قتادة مرفوعا وفيه فجاءت هرة، فأصغى لها الإناء حتى شربت، وقال: إنها ليست بنجس، إنها من الطوافين عليكم والطوافات . فدل بلفظه على نفي الكراهة عن سؤر الهر، وبتعليله على نفي الكراهة عما دونها مما يطوف علينا. قاله في الشرح .


الشرح: علل النبي -صلى الله عليه وسلم- طهارة الهر بكونه من الطوافين، أي لا يمكن التحصن والتحرز والتحفظ منه، وذلك لأنه كثيرا ما يتسلق الحيطان، ويقلب القدور والأغطية، ويشرب من الآنية، فالتحفظ والتحرز منه فيه مشقة، والمشقة تجلب التيسير، فكان هذا سببا في أنه طاهر وليس بنجس.
وألحق العلماء بالهر كل مالا يمكن التحرز منه: كالفأرة ونحوها، فإنها طاهرة، ولو كان كل ما لامسته أو شربت منه نجسا لشق ذلك على الناس، ولحصل به ضرر كبير.
كذلك ألحقوا بالهر: الحشرات التي ليس لها نفس سائلة:
كالعقرب، والحية، ونحوها؛ لأنها ليس لها دم يسيل إذا ذبحت، فإذا ماتت في الماء وغيره فإنها لا تنجسه لأنها طاهرة.
وسؤر الهر هو بقية شرابه الذي شرب منه، أو بقية طعامه الذي أكل منه، فإذا شرب الهر من ماء طاهر، فسؤره طاهر، يجوز التطهر والشرب منه، وإذا أكل الهر من طعام طاهر، فسؤره طاهر.
واختلف العلماء فيما إذا شوهدت الهرة تأكل نجاسة كالجيف ونحوها. والصحيح أن سؤرها في تلك الحال نجس؛ لأنها لامست النجاسة بريقها وفمها، فإذا لامست بعده شرابا أو طعاما فإنها تنجسه.
ولكن هل يبقى سؤرها على نجاسته تلك، أم أنه يطهر بعد ذلك؟
قال بعضهم: بأنها إذا غابت مدة بعد هذه النجاسة وطالت هذه المدة فإن فمها يطهر بلعابها.
ثم ذكر صاحب المتن أن المسكر غير المائع طاهر فقد يكون هناك شيء إذا أكل أسكر وهو جامد، ليس بمائع، فيطلق عليه خمرا لأثره، ولكنه ليس بنجس كالخمر.
والسبب في أنهم جعلوه طاهرا كونه ليس بذائب؛ لأن علة نجاسة الخمر عندهم هي ذوبانها، وسريانها، وابتلال الإناء والثوب والبدن بها.
فالخمر إذا كانت مائعة يجب أن تغسل إذا لامست البدن أو الثوب ونحوه، أما إذا جففت وصارت يابسة وبقيت على حالتها في الإسكار فإنها والحالة هذه تكون طاهرة، فإذا لامست الثوب أو البدن ونحوه فإنه لا يجب غسله.
وبكل حال: فإن الخمر- في هذه الحالة- باقية على حكمها في التحريم والخبث، فيجب إتلافها، وثمنها حرام، وأكلها حرام. ولكن ليس من لمسها كمن لمس الخمر المائعة.